المطلوب من القيادات السياسية الشيعية تبنٍ واضح وصريح لمشروع الدولة ..

الأربعاء \ 27 أيلول 2006 الموافق 5 رمضان 1427
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مفتي صور وجبل عامل يضع النقاط على الحروف في حوار مع "اللــــــواء"
العلامة علي الأمين: المطلوب من القيادات السياسية الشيعية تبنٍ واضح وصريح لمشروع الدولة
إذا لم تكن الحكومة عندما شكلت حكومة اتحاد وطني لماذا دخل المطالبون اليوم بتغييرها·· وإذا كانت كذلك فهي لا تزال وفق ما كانت عليه؟

صيدا ــ مكتب اللواء: أثارت مواقف وتصريحات مفتي صور وجبل عامل العلامة السيد علي الأمين حول المقاومة وسلاحها، والطائفة الشيعية وبناء الدولة ردود فعل مختلفة على الساحة اللبنانية، وخصوصاً داخل الطائفة الشيعية، إذ اعتبر البعض أن المفتي الأمين "يغرَّد خارج سربه" بينما وصفه البعض الآخر بأنه "علامة فارقة" في القيادات الروحية الشيعية لجهة صراحته وجرأته··

واللافت أن هذه التصريحات والمواقف تزامنت مع سلسلة تحركات سياسية فيها "غمز" من هذه القناة أو تلك، لجهة التقارب، أو التباعد، أو فتح خطوط اتصال جديد·· وأبرزها زيارة موفد البطريرك الماروني نصر الله بطرس صفير المطران رولان أبو جودة إلى المفتي الأمين، وإشادة النائب وليد جنبلاط به وبمواقفه··

وإذا كانت القوى السياسية الفاعلة في الطائفة الشيعية وتحديداً حركة "أمل" و"حزب الله" يعتبران أن جزءاً من هذه المواقف بحث عن "مكانة" قيادية جديدة·· فإن المفتي الأمين يؤكد أنه "ليس بصدد انشاء أي حالة من الحالات الدينية أو الحزبية، انما دعم مشروع بناء الدولة الواحدة من موقع الإرشاد والتوجيه والتنبيه"··

ولا يُخفي المفتي الأمين أن العلاقة مع رئيس مجلس النواب نبيه بري اليوم ليست كما كانت في السابق، "كانت علاقة المدرسة الواحدة، والخندق الواحد، والإتفاق على أن الدولة يجب أن تكون مسؤولة وحدها"، بينما العلاقة مع "حزب الله" كانت مقتصرة على لقاءات واتصالات وحوارات وتوقفت"·· بيد أنه في كلتا الحالتين يؤكد "استعداده للقاء الطرفين"··

وفيما يتعلق بسلاح المقاومة، يعتبر المفتي الأمين "أن طريقة حل مزارع شبعا أصبحت واضحة سياسياً خارج اطار العمل المسلح، لأن الجيش اللبناني أصبح على مشارفها، والقوات الدولية موجودة أيضاً"، مشدداً في ذات الوقت "أن الدولة اللبنانية لم تقل يوماً اننا سننزع سلاح "حزب الله" انما مع الوصول إلى اتفاق داخلي بشأنه"··

ووصف انتشار الجيش اللبناني في الجنوب، بأنها "خطوة طال انتظارها، وتمت بقرار من قيادته السياسية المتمثلة بالحكومة"·· مشيراً إلى انه "لا يمكن أن تتواجد سلطتان في مكان واحد، فالسلطة الوحيدة هي الدولة اللبنانية"··

ودعا للاستفادة من الظروف الحالية، مؤكداً "أن مشروع الدولة قد وضع على السكة الصحيحة وانطلق ولا يمكن الرجوع إلى الوراء"··

لقد شكلت مواقف مفتي صور وجبل عامل من هذه القضايا الساخنة على الساحة اللبنانية مدار اهتمام ومتابعة من القوى السياسية، وسط تساؤلات: هل انكسرت "الجرّة" بين المفتي الأمين وحركة "أمل" و"حزب الله"·· أم أنه ما زال هناك فرصة لاتمام المصالحة؟ وخصوصاً بعد رسائل وردود أشارت إلى أن المفتي الأمين غير راغب بانشاء قوة ثالثة في الطائفة الشيعية··

المفتي الأمين، الذي يحظى بمكانه خاصة لدى العديدين، ليس من أبناء الطائفة الشيعية وحدها، بل مع المسلمين وحتى المسيحيين، يمتاز بجرأته، التي قد تسبب له فتوراً أو قطيعة في بعض العلاقات·· ولكن من اعتاد على قول كلمة الحق، لا يأبه للعواقب··

"لــــواء صيدا والجنوب" كانت له دردشة مع المفتي الأمين في مكتبه في دار الإفتاء الجعفري في صور، وضع فيها النقاط على الحروف··

العلاقة مع الرئيس بري

منذ مدة يُلاحظ أن العلاقة مع الرئيس نبيه بري تمر بحالة "فتور"، فما هي حقيقة الأمر، وما رأيكم بالكلام الذي أطلقه من مدينة صور؟
- العلاقة مع الرئيس بري ليست علاقة جديدة هي علاقة قديمة، علاقة نضال وكفاح، وعلاقة المدرسة الواحدة والخندق الواحد، دائماً نحن وإياه كنا على اتفاق بأن الدولة اللبنانية يجب أن تكون هي المسؤولة وحدها، وأن أهل الجنوب، الذين نحن مسؤوليتنا الدفاع عنهم وأن نخفف من معاناتهم، أن ندفعهم دائماً باتجاه مشروع الدولة اللبنانية، هذه كانت خطوط عامة، لعله في كثير من محطات الخلاف كنت دائماً إلى جانبه ومعه في هذا الأمر·

الخلاف الذي حصل أنا أعتقد ومن خلال ما جرى عبر سنوات طويلة منذ 1993 وما بعدها، أنه كان هناك سكوت عما يستهدف أو ينتظر الجنوب، لأنه عندما تغيب الدولة عن الجنوب معناه عدنا إلى ما قبل 1982 شئنا أم أبينا، فكيف أنتم جعلتم عدم العودة إلى ما قبل 1982 بنداً أساسياً من سياستكم وتحالفاتكم، ثم سكتنا عن العودة إلى ما قبل 1982 في 1993 و1996 إلى أن وصلنا إلى 2006، وهذا كان الخلاف الذي حصل فيما بيننا·

وأعتقد أنه ليس خلاف على الثوابت التي ناضلنا سوياً من أجلها، لأنه يجب أن نعود إلى تلك الأسس التي أطلقها الإمام السيد موسى الصدر، ولذلك ما عبر عنه الرئيس بري في صور في مهرجان الإمام الصدر كان طبعاً يُعبر حقيقة عن تطلعات أهلنا في الجنوب، لكن المشكلة ليست في انتماء أهل الجنوب وولائهم لوطنهم وفي اختيارهم لمشروع الدولة اللبنانية، لأنه كان مشروعهم حتى قبل مجيء الإمام الصدر·· الإمام الصدر إنما نال تأييدهم لأنه رفع مشروعهم وتبنى الأسس التي كان عليها أهل الجنوب منذ قيامة لبنان، وهو مشروع الدولة اللبنانية والإنصهار الوطني·

المطلوب أن تتبنى الواجهة السياسية هذا الأمر، وأنا ليس مطلوباً مني أن أقول أن الناس في الجنوب تريد الدولة اللبنانية، الناس طبعاً تريد الدولة اللبنانية، والإنصهار الوطني، وتريد الحفاظ على العيش المشترك·

المطلوب من الواجهة السياسية لا أن تنقل لنا الأقوال التي كان يقولها الإمام الصدر، وإنما المطلوب منها أن تقيم جردة حساب لترجمتها إلى أعمال، فمشروع الدولة أصبح الآن على الأبواب، لماذا يكون الجنوب الذي ناضل منذ عقود من أجل مشروع الدولة هو خارج أحضان الدولة، لذلك المطلوب أن يكون هناك تبنٍ واضح وصريح لمشروع الدولة اللبنانية من مختلف القيادات التي تتولى المشروع السياسي داخل الطائفة الشيعية·

···و"حزب الله"

···وكيف هي العلاقة مع "حزب الله"؟
- العلاقة مع "حزب الله" إلى ما قبل الحرب كانت هناك اتصالات ولقاءات مع الصف الأول والثاني وغيره، وكانت هناك تجري حوارات ونقاشات حول محطات عديدة، كانت تجري مثلاً عندما صارت المقاطعة الوزارية، صار هناك لقاءات ونقاشات، وبعدها كانت حوارات، لم تكن هناك قطيعة فيما بيننا· ولكن بعد أن وقعت الحرب لم تجرِ هناك لقاءات أو اتصالات، وأنا لا زلت مستعداً لأي لقاء·

_ على استعداد لأن ألتقي كل الأطراف

هل هناك من مسعى لعقد لقاءات مع الرئيس بري أو "حزب الله" يقوم بها مقربون من سماحتكم؟
- تحرك بعض المثقفين من أجل هذا الأمر، واتصلوا بي، وقالوا لماذا لا يكون هذا الأمر؟ فقلت هذا مطلبنا، كان مطلبنا عندما نلتقي أثناء الحرب وبعد الحرب، أن يكون هناك حوار داخلي، ويجب أن تجتمعوا مع أهل الرأي والفكر داخل الطائفة من أجل التداول بالأمور التي تجري، كان هذا مطلبنا، وأنا قلت لهذا البعض - الذي تحرك - انني على إستعداد أن أذهب، وأنا على استعداد لأن ألتقي مع كل هذه الأطراف·

قبل عدة سنوات جمعتم قيادات الطائفة الشيعية هنا في هذا المركز بمبادرة من سماحتكم وبعلاقة مع الرئيس بري، وكانت مصالحة مع السيد محمد حسين فضل الله، هل ما زال المجال مفتوحاً لإقامة مثل هذا الحوار أو اللقاء وهنا في هذا المركز؟
- المكان ليس هو المهم، المهم هو المساعي التي ما زالت موجودة حتى أثناء الحرب، وعندما إلتقيت ببعض القيادات الكبيرة كان الحديث معها أنه يجب أن يكون هناك مؤتمر في الداخل وحوار ونقاش، ولا زلت مستمراً في هذا المسعى، بغض النظر عن المكان الذي تجتمع به الأطراف·

ـ لست بصدد إنشاء أي حالة

البعض يشير الى أن سماحتكم يسعى الى تشكيل قوة داخل الطائفة الشيعية تتعاطى مع 14 آذار وتكون خارج 8 آذار، التي تضم حركة "أمل" و"حزب اللـه"؟
- منذ اللحظات الأولى وفي كثير من اللقاءات، قلت أنا لست بصدد إنشاء أي حالة من الحالات، أنا مع الفكرة التي تنفع وطني وبلدي وأهلي، وتضع حداً لمعاناتهم الطويلة، إذا كان هناك فريق يقول انه مع مشروع الدولة، فعندئذ أنا أتفق وإياه في هذا الرأي، لا أنني متحالف معه في هذا الشأن، لذلك نحن مع مشروع الدولة اللبنانية، وأردت أن أذكر مختلف الأفرقاء والأطراف بأن الطائفة الشيعية ليس لها خيار سوى خيار الدولة اللبنانية الواحدة، أما أنا فموقعي هو موقع الإرشاد والتوجيه والتنبيه، وكما قلت قد تنشأ هناك، أنا لست مع الوكالة الحصرية لهذه الطائفة، وبنفس الوقت الأمر متروك لقواعد هذه الطائفة وأفرادها·

_ مطلب تغيير الحكومة الآن لا يُفيد

هناك مطالبة بتغيير الحكومة الحالية، حيث يعتبر المطالبون بأنها تخلت عما جاء في البيان الوزاري لجهة دعم المقاومة ومطالبتها بنزع سلاح المقاومة، كيف تعلقون على ذلك، وهل تعتقدون أن هذا المطلب مبرر لتغييرها؟
- الحكومة وحتى عندما قالوا أنها تدعم المقاومة، فهي لا تدعمها في مقابل مشروع الدولة، المقاومة حق، وأصبح هناك متغيرات بعد 12 تموز، أصبح هناك قرارات دولية جديدة، أصبح هناك واقع موجود في الجنوب اللبناني·· هذا الواقع هو الذي أدى إلى تغيير هذا الطرح، والدولة اللبنانية إلى يومنا هذا تقول: نحن لسنا مع نزع سلاح "حزب الله"، وإنما نحن مع الوصول على إتفاق داخلي بشأنه·

ولا أعتقد بأن مطلب تغيير الحكومة يفيد في هذه المرحلة التي تتطلب حالة من التضامن الوطني من أجل النهوض بالأعباء المطلوبة منها، فـ "ما عدا ما بدا"! فبعدما كانت هذه الحكومة، حكومة وطنية ومقاومة·· فإذا كانت الحكومة عندما شكلت في الماضي ليست حكومة إتحاد وطني، فلماذا دخل المطالبون اليوم بالتغيير بها، وإذا كانت هي حكومة إتحاد وطني فهي لا تزال وفق ما كانت عليه·

_ إنتشار الجيش اللبناني

كيف ترون خطوة انتشار الجيش اللبناني في الجنوب، ووصول قوات الطوارئ الدولية؟
- إن انتشار الجيش اللبناني في الجنوب خطوة طال انتظارها، وهي تمت بقرار من قيادته السياسية المتمثلة بالحكومة· وهذا الانتشار سيؤدي إلى أن تبسط الدولة سلطتها الكاملة، وأن تصبح هي المسؤولة عن الأمن، وأن تتولي كافة الأمور التي تتولاها الدول بالنسبة لشعوبها وأوطانها·

وانني أرى انه لا يمكن ان تتواجد سلطتان في مكان واحد، فالسلطة الوحيدة هي الدولة اللبنانية·

ولقد أتت قوات الطوارى الدولية استجابة للقرار 1701، من أجل مؤازرة الدولة اللبنانية ومساعدتها على بسط سلطتها على كامل الأراضي الحالية لأن هناك اهتماماً دولياً غير عادي، والتفافاً شعبياً حول الحكومة، ولمس الشعب أن مشروع الدولة قد وضع على السكة الصحيحة وانطلق ولا يمكن الرجوع إلى الوراء·

_ حل مزارع شبعا خارج العمل المسلح

هل أنتم مع إستمرار المقاومة بحمل سلاحها إلى حين إنجاز تحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وعودة الأسرى، أم أنكم تدعون إلى عدم التفرد بالقرار به من قبل طرف، وخصوصاً أن هناك اتهامات بأن هذا التفرد يكون لصالح سوريا وإيران؟
- مما لا شك فيه أن طريقة حل مزارع شبعا أصبحت واضحة خارج إطار العمل المسلح، لأن الجيش اللبناني أصبح على مشارفها، والقوات الدولية أيضاً موجودة، وهناك وعود من الأمين العام للأمم المتحدة بأن نناقش قضايا مزارع شبعا، ويمكن اعطاؤها في المستقبل لقوات الطوارئ الدولية، فأصبحت وجوه الحل لمزارع شبعا واضحة وليست بالحل العسكري وعبر المقاومة، لذلك يبقى أن الحل الأمثل بأن تصبح المقاومة جزءاً من الجيش اللبناني، وفي كل الأحوال فإن قرار الحرب والسلم في كل دول العالم يكون مسؤولية الدولة وحدها، وليس مسؤولية مجموعات أو فريق أو تنظيم أو جماعة·